تقابلت مع أحد المتخرجين من دار العلوم فذكرت الجنة وما فيها من النعيم الدائم والتلذذ بالمأكل والمشرب والمنكح، وأن تلك هي التي أُهبط منها آدم وحواء حين أكلا من الشجرة، فأخبرني أن الجنة ليس فيها أكل ولا شرب ولا نكاح كالدنيا، وإنما تحصل لأهل الجنة لذة الأكل والشرب والجماع عند اشتهاء أنفسهم ذلك بدون فعل كالنائم يرى أنه أكل كذا وكذا فيتلذذ بذلك، والحال أنه لم يفعل ذلك حقيقيًّا. فقلت له: إن في القرآن الحكيم ما يدل على ذلك نحو قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[٧٢] لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ[٧٣]﴾ [الزخرف: 72 - 73]. وقوله تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[١٩]﴾ [الطور: 19]. وقوله تعالى: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ [الطور: 20]، وغير ذلك من الآيات. فقال: إن الله تعالى وعد المؤمنين بالتنعيم في الجنة بالأكل والشرب والنكاح المعلومة لذته لهم تقريبًا لأفهامهم وتشبيهًا، إذ لو وصف لهم التنعم بغير ما هو معلوم لهم لما كان له موقع في أنفسهم، ولما فهموا معنى التنعم، وتلك الجنة ليست هي التي أُهبط منها آدم وحواء. ولقصوري عن إقناعه حررت هذا لسيادتكم راجيًا الإجابة عن ذلك على صفحات المنار بما يشفي الغليل ملتمسًا الإعادة إذا كان سبق توضيح ذلك في مجلد مضى من المنار، لأن ابتداء اشتراكي في المجلد الثامن، ولا زلتم في عز وجاه، والسلام عليكم ورحمة الله.