مصر هي أرض الكنانة ومهد حضارات متتالية؛ بل تكاد تكون من أول الحضارات في تاريخ البشرية، علاوةً على ذلك فقد ذكرت مصر باسمها الصريح في القرآن خمس مرات، وكذلك كانت من القدم موطناً للدفاع عن الإسلام ورايته ومصنعاً للأبطال على مر التاريخ، ولكن تسميتها بـ (أم الدنيا) هي حقيقة دينية حسبما ذكر في تفسير ابن كثير، فلقب (أم الدنيا) ينسب لمصر بسبب السيدة هاجر، زوجة النبي إبراهيم عليه السلام باعتبار أنّ السيدة هاجر هي أم للأنبياء وأم سيدنا إسماعيل الذي هو أبو العرب، وعرب الحجاز من نسله.
السيّدة هاجر القبطية من مصر، بينما سيدنا إبراهيم عليهم السلام ولد في العراق، لكنّه انتقل إلى مصر وعاش فيها وفي بلاد الشام، وبعدها إلى الجزيرة العربية، ولذلك فتسمية مصر بـ (أم الدنيا) هو أمر ديني وتاريخي قديم وتوارثته الأجيال، وليس حديثاً كما يظنّ البعض، وليس من خطابات جمال عبد الناصر أيضاً.
ذُكِر في كتب دينية دعاء نوح عليه السلام لابنه بيصر بن حام أبو مصر فقال: (اللهم إنّه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض الطيبة المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد). ومن الجدير ذكره أنّ اسم مصر ينسب إلى اسم مصرائيم ابن حام ابن نوح عليه السلام، وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث صحيح؛ حيث قال: (ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا فإن لهم ذمة ورحماً)، والمقصود بالرحِم أنهم أخوال إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
ولعل من المناسب هنا ذكر الحملات المغولية التتارية، التي امتدت بكل وحشية من شرق آسيا إلى كل العالم، ولما وصلت لمصر تصدى لها المماليك بقيادة القائد قطز والظاهر بيبرس وقضوا عليهم، ولمصر وأهلها بطولات تاريخيّة كثيرة وفضل كبير على مر التاريخ لمن شاء أن يتوسع فيها.