كان المتنبي منذ صغره يتميز بنسبة ذكاء عالية، كما أنه كان متفوق ومجتهد خلال فترة طفولته، وقد ذكرت بعض الدراسات أن موهبة الشهر قد ظهرت للمتنبي وهو في سن الـ10 من عمره، وفي سن الـ12 من عمره أنتقل من الكوفة إلى البادية، وقضى بها سنتين من عمره، وفي تلك الفترة أكتسب خبرات كبيرة عن اللغة العربية الفصحى، وبعدها أنتقل مرة أخرى إلى الكوفة، وهناك قام بدراسة الشعر العربي، من الأشعار التي أهتم بدراستها: شعر أبي نواس، شعر أبي تمام وتلميذه البحتري، وشعر مسلم بن الوليد، وشعر ابن المعتز، وهو يعتبر من أشهر شعراء العرب.
قصيدة “قصيدة وَاحَرّ قَلْباهُ”
وَاحَـرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَرَى جَسَدي
وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلـةِ الأُمَم
إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ
فَلَيْتَ أنّا بِقَـدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ
قد زُرْتُهُ وَسُيُـوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ
وَقـد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ
فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ
وَكانَ أحسنَ ما فِي الأحسَنِ الشّيَـمُ
فَوْتُ العَـدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ
فِي طَيّهِ أسَفٌ فِي طَيّهِ نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ
لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَـمُ
ألزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئًا لَيسَ يَلزَمُها
أنْ لا يُـوارِيَهُـمْ أرْضٌ وَلا عَـلَمُ
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً
تَصَرّفَـتْ بِكَ فِي آثَارِهِ الهِمَمُ
عَلَيْكَ هَزْمُهُـمُ فِي كلّ مُعْتَرَكٍ
وَمَا عَلَيْـكَ بِهِمْ عَارٌ إذا انهَزَمُوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ
تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ فِي مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
أُعِيذُهـا نَظَـراتٍ مِنْـكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا
بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَـنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَـرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدّهُ فِي جَهْلِهِ ضَحِكي
حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَـةٌ وَفَـمُ
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ….
قصيدة أجابَ دَمعي
أجابَ دَمعي وما الدّاعي سوَى طَلَلِ
دَعَا فَلَبّاهُ قَبلَ الرَّكبِ وَالإبِلِ
ظَلِلْتُ بَينَ أُصَيْحابي أُكَفْكِفُهُ
وَظَلّ يَسفَحُ بَينَ العُذْرِ وَالعَذَلِ
أشكُو النّوَى ولهُمْ من عَبرَتي عجبٌ
كذاكَ كنتُ وما أشكو سوَى الكِلَلِ
وَمَا صَبابَةُ مُشْتاقٍ على أمَلٍ
مِنَ اللّقَاءِ كمُشْتَاقٍ بلا أمَلِ
متى تَزُرْ قَوْمَ مَنْ تَهْوَى زِيارَتَهَا
لا يُتْحِفُوكَ بغَيرِ البِيضِ وَالأسَلِ
وَالهَجْرُ أقْتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ
أنَا الغَريقُ فَما خَوْفي منَ البَلَلِ
مَا بالُ كُلّ فُؤادٍ في عَشيرَتِهَا
بهِ الذي بي وَما بي غَيرُ مُنتَقِلِ
مُطاعَةُ اللّحْظِ في الألحاظِ مالِكَةٌ
لمُقْلَتَيْها عَظيمُ المُلْكِ في المُقَلِ
تَشَبَّهُ الخَفِراتُ الآنِسَاتُ بهَا
في مَشيِهَا فيَنَلنَ الحُسنَ بالحِيَلِ
قَدْ ذُقْتُ شِدّةَ أيّامي وَلَذّتَهَا
فَمَا حَصَلتُ على صابٍ وَلا عَسَلِ
وَقَد أراني الشّبابُ الرّوحَ في بَدَني
وَقد أراني المَشيبُ الرّوحَ في بَدَلي….
قصيدة نَسيتُ وَما أنسَى عِتاباً على الصّدِّ
نَسيتُ وَما أنسَى عِتاباً على الصّدِّ
ولاخَفَراً زَادَتْ بهِ حُمرَةُ الخدِّ
وَلا لَيْلَةً قَصّرْتُهَا بِقَصِيرَةٍ
أطالتْ يدي في جيدِها صُحبةَ العِقدِ
وَمَنْ لي بيَوْمٍ مثلِ يَوْمٍ كَرِهتُهُ
قرُبْتُ بهِ عندَ الوَداعِ من البُعْدِ
وَألاّ يَخُصَّ الفَقْدُ شَيْئاً لأنّني
فقدْتُ فلم أفقِدْ دموعي وَلا وَجْدي
تَمَنٍّ يَلَذُّ المُسْتَهَامُ بذِكْرِهِ
وإنْ كانَ لا يُغْنِي فَتيلاً وَلا يُجدي
وَغَيظٌ على الأيّامِ كالنّارِ في الحَشَا
وَلَكِنّهُ غَيظُ الأسيرِ على القِدِّ
فإمّا تَرَيْني لا أُقِيمُ بِبَلْدَةٍ
فآفَةُ غِمدي في دُلوقي وَفي حَدّي
يَحِلُّ القَنَا يَوْمَ الطّعَانِ بعَقْوَتي
فأحرِمُهُ عِرْضِي وَأُطْعِمُهُ جلدي
تُبَدِّلُ أيّامي وَعَيْشِي وَمَنْزِلي
نجائِبُ لا يَفكُرْنَ في النّحسِ وَالسّعدِ
وَأوْجُهُ فِتْيَانٍ حَيَاءً تَلَثّمُوا
عَلَيْهِنّ لا خَوْفاً منَ الحرّ والبرْدِ
وَلَيسَ حَيَاءُ الوَجْهِ في الذّئبِ شيمةً
وَلَكِنّهُ مِنْ شيمَةِ الأسَدِ الوَرْدِ
إذا لم تُجِزْهُمْ دارَ قَوْمٍ مَوَدّةٌ