بداية ظهور الفلسفة
مع ظهور المدينة في الحضارة اليونانيّة، ولأوّل مرّة في تاريخ البشريّة، ازدادت القضايا، والمسائل العامّة بين الناس بشكل غير خاضع للحَسْم، كما أصبح من اللازم إجراء سِجال عَلَنيّ، ونقاش مُدعَّم بحجج، وبراهين، بخصوص القرارات المُتعلِّقة بالمصلحة العامّة، وأصبح لكلِّ مواطن الحقّ الكامل في التعبير عن رأيه فيما يتعلَّق بقضايا الشأن العامّ، وساد النظام السياسيّ الديمقراطيّ ضمن نظام الدولة المدينة، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه العوامل، وغيرها، مهَّدت الطريق لنشأة الفلسفة التي امتدَّ تاريخ نشأتها في الحضارة اليونانيّة من القرن 7ق.م، إلى القرن 4ق.م.
بداية التفلسُف (ما قَبل سُقراط)
كانت البداية الأولى لتطبيق الفعل الفلسفيّ اليونانيّ عند الحُكماء اليونانيّين (الحُكماء الطبيعيّين) ما قَبل سقراط، ويُعتبَر طاليس الذي فسَّر أَصْل الوجود بالماء أشهرَ هؤلاء الحُكماء، وهو صاحب المقولة الشهيرة: “العالَم يأتي من المُحيط، ويعود إلى المُحيط”؛ حيث اعتقد أنّ الماء هو أصل كلّ شيء، والمبدأ النظريّ الأوّل لتكوُّن الطبيعة، كما أنّ من الحُكماء المشهورين أيضاً هيراقليطس، وهو الذي قال إنّ أَصل العالَم من نار، وأناكساغوراس الذي اكتشف العِلّة المُحرِّكة؛ وهي العقل، وأنكسيمانس الذي قال إنّ أَصْل العالَم هو الهواء، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الآراء، والأقوال تُمثِّل حَدْساً فلسفيّاً خاليّاً من الخيال، والخُرافة، حيث ساهمت بشكل كبير في الوصول إلى المُسلَّمات التي تُفسِّر أَصْل الطبيعة، والوجود.
فلسفة سقراط وما بعده
تركَّزَ مفهوم الفلسفة في عصر سُقراط على ماهيّة الإنسان، ومعرفة الحقيقة، والعَدل، والخير، وذلك بناءً على تصوُّر عقليّ بَحت، بعيداً عن الحواسّ، ثمّ ظهرَ أفلاطون الذي ركَّزَ في موضوعاته الفلسفيّة على جوهر الأشياء، وحقائقها الثابتة، وتمثَّلَت الفلسفة عنده بمعرفة الخير للإنسان، وفَهْم حقائق الأشياء، وتُمثِّل الفلسفة عند أرسطو (تلميذ أفلاطون) معرفة المبادئ الأولى التي تُفسَّر بها طبيعة الأشياء، وبعد ذلك، تجمَّدَ موضوع الفلسفة، ولم تظهر أيُّ اجتهاداتٍ فلسفيّة جديدة.