0 معجب 0 شخص غير معجب
181 مشاهدات
في تصنيف فتاوي بواسطة (177ألف نقاط)

أستاذي الفاضل، الشيخ محمد رشيد رضا: السلام عليكم ورحمة الله، أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وقد علمنا وعلم الناس أنكم -حفظكم الله- خليفة الأستاذ الإمام في القيام بأمر الدِّين الخالص، ودحض الباطل عنه، فإن العِلم الدليل، وليس العِلم بالكُمِّ الطويل، وقد طوحتني المقادير إلى بلدة ألعن بلاد الله تربة، يسكنها قوم أحلامهم دِقاق، ودينهم نِفاق، يأخذون من العِلم القشور، ومن الأخبار الموضوعة، ومن العقائد الخُرافية، فهم أشباه الرجال ولا رجال، يُكَفِّرون مَن قال بالمعراج بالروح، ومن أنكر وجود الجنة والنار، ومن نفى رؤية الإله في الآخرة، ومن منع رجوع الشمس بعد مغيبها عند إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم العير، وعدم مجيء بيت المقدس بين يديه صلى الله عليه وسلم وعدم وجود الزُّناة وأكلة الربا بين مكة وبيت المقدس، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لهم ليلة الإسراء كل ذلك لحُجج عنده من أن هذه عقائد لا تثبت إلا بالقطع، وبعض هذه الأشياء لم يجد (كذا) فيه دليل أصلًا، وبعضها قام عليه دليل غير يقينيّ مع قيام دليل العقل على خلافه، ولما كنتم بارك الله فيكم أوقفتم أنفسكم على تحقيق مثل هذه المسائل نفعًا للأمة وخدمة للدين، وقد شاهدنا غزارة علمكم وسعة فِكركم وكثرة اطلاعكم ورسوخ ملكتكم العلمية التي قلَّ أن توجد لأحد من مُعاصريكم رجوت أن تكشف لي بَقِيت أبدًا (؟) عن غطاء هذه المسائل وتُرجعها إلى أصولها، وتبرزها في صورتها الحقيقية غير مشُوبة بخرافات المخرِّفين، بأدلتها من العقل أو الكتاب أو السنة المتواترة أو المشهورة، كما هو شأنكم في جميع المسائل، لا زلت ينتفع بك الإسلام والمسلمون.

[المنار] يؤخذ من هذا الكتاب بضع مسائل، ينبغي بيان الحق فيها، وها نحن أولاء نتكلم عليها واضعين لكل واحدة منها عنوانًا.

2 إجابة

0 معجب 0 شخص غير معجب
بواسطة (177ألف نقاط)
 
أفضل إجابة

حكم تكفير المسلم بما لم يصح عنده من مسائل الدين

  • قد اعتاد الناس الجرأة على التكفير بغير علم حتى إن بعض المؤلفين في الفقه توسعوا في المكفِّرات، فزادوا الناس جُرأة على تكفير من يخالف مذاهبهم وتقاليدهم، وإن لم تكن من الدين في شيء.

  • وقد بيَّنَّا من قبل أن الأصل في ارتداد المسلم عن دينه هو جَحْده أو تكذيبه شيئًا في حقية شيء يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء به من أمر الدين؛ إذ يكون بذلك غير مؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولما كان الجهل في دار الإسلام غير عُذر جعل العلماء أمور الدين قسمين:

  • أحدهما: ما لا يُعذر أحد في دار الإسلام بجهله، وإن كان عاميًّا وهو المُجْمَع عليه، المعلوم من أمر الدين بالضرورة، كفريضة الصلاة والزكاة والحج، وكتحريم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، كالقتل والزِّنا وشرب الخمر والسرقة والكذب والخيانة، فمن جَحَد من هذا القسم شيئًا كفر وعُدَّ مرتدًّا عن دين الإسلام.

  • وإنما يُعذر بجهل بعض هذه المسائل من كان قريب عهد بالإسلام لم يمرَّ عليه من الزمن بعد إسلامه ما يكفي لوقوفه على ذلك، ومن نشأ بعيدًا عن دار الإسلام كشاهق جبل (كما يقولون).

  • الثاني: ما شأنه أن لا يعرفه إلا المشتغلون بعلم الدِّين من فروع المسائل وأصول الأحكام وأدلتها، فهؤلاء العلماء يؤاخذون بحسَب عِلمهم، فمن جحد منهم شيئًا من الدِّين يعلم أنه ثَبَت في كتاب الله أو سنة رسوله أو أجمع عليه الصحابة، ولم يكن متأولًا في جحده كان بذلك مرتدًّا كما هو ظاهر.

  • وأما من جحد أو أنكر شيئًا مختلَفًا في أصله أو دليله أو في دلالة ذلك الدليل عليه؛ لأنه لم يصحَّ عنده أو لمعارض رآه أرجح منه بضرب من التأويل فلا يُعدُّ مرتدًّا بذلك، ولكنه إذا انتهى به التأويل إلى مخالفة جماعة السلف الصالح من أهل الصدر الأول عُدَّ مبتدعًا، وإن كان موحِّدًا مقيمًا لأركان الإسلام.

  • ولم يُكفِّر أهل السنة من أنكر خبر المِعراج، ولا من قال: إنه كان بالروح فقط، بل قال بذلك بعض أهل السنة، ولا من قال إن الجنة والنار لم يُخلقا بعدُ وإنما يُخلقان يوم القيامة، ولا من قال: إن المؤمنين لا يرون ربهم في الجنة، فقد قال بذلك جمهور من الجهمية والمعتزلة ولم يكفرهم علماء السلف به، كما ترونه في أشهر كتب العقائد التي تُدرَّس في الأزهر وغيره من المدارس الإسلامية في جميع الأقطار.

  • وإذا كانوا لا يُكفِّرون من يُنكر أصل المعراج إلا إذا أنكر الإسراء المنصوص في القرآن، ولا يكفرون من ينكر رؤية الباري تعالى في الآخرة المصرَّح بها في الأحاديث المتفق عليها، فكيف يكفرون من ينكر رجوع الشمس للنبي صلى الله عليه وسلم بعد غروبها، والحديث فيه غير صحيح، أو ينكر مجيء بيت المقدس إلى الحجاز وكون المذنبين الذين رآهم النبي صلى الله عليه وسلم يعذَّبون كانوا موجودين بأجسادهم بين مكة وبيت المقدس، ولا نُصَّ على هذا في كتاب ولا سنة، وما عهدنا أحدًا من علماء المسلمين يجعله من عقائد الدين، وسترى معنى ذلك في المسائل الآتية[1].

0 معجب 0 شخص غير معجب
بواسطة (177ألف نقاط)

حكم تكفير المسلم بما لم يصح عنده من مسائل الدين

  • قد اعتاد الناس الجرأة على التكفير بغير علم حتى إن بعض المؤلفين في الفقه توسعوا في المكفِّرات، فزادوا الناس جُرأة على تكفير من يخالف مذاهبهم وتقاليدهم، وإن لم تكن من الدين في شيء.

  • وقد بيَّنَّا من قبل أن الأصل في ارتداد المسلم عن دينه هو جَحْده أو تكذيبه شيئًا في حقية شيء يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء به من أمر الدين؛ إذ يكون بذلك غير مؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولما كان الجهل في دار الإسلام غير عُذر جعل العلماء أمور الدين قسمين:

  • أحدهما: ما لا يُعذر أحد في دار الإسلام بجهله، وإن كان عاميًّا وهو المُجْمَع عليه، المعلوم من أمر الدين بالضرورة، كفريضة الصلاة والزكاة والحج، وكتحريم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، كالقتل والزِّنا وشرب الخمر والسرقة والكذب والخيانة، فمن جَحَد من هذا القسم شيئًا كفر وعُدَّ مرتدًّا عن دين الإسلام.

  • وإنما يُعذر بجهل بعض هذه المسائل من كان قريب عهد بالإسلام لم يمرَّ عليه من الزمن بعد إسلامه ما يكفي لوقوفه على ذلك، ومن نشأ بعيدًا عن دار الإسلام كشاهق جبل (كما يقولون).

  • الثاني: ما شأنه أن لا يعرفه إلا المشتغلون بعلم الدِّين من فروع المسائل وأصول الأحكام وأدلتها، فهؤلاء العلماء يؤاخذون بحسَب عِلمهم، فمن جحد منهم شيئًا من الدِّين يعلم أنه ثَبَت في كتاب الله أو سنة رسوله أو أجمع عليه الصحابة، ولم يكن متأولًا في جحده كان بذلك مرتدًّا كما هو ظاهر.

  • وأما من جحد أو أنكر شيئًا مختلَفًا في أصله أو دليله أو في دلالة ذلك الدليل عليه؛ لأنه لم يصحَّ عنده أو لمعارض رآه أرجح منه بضرب من التأويل فلا يُعدُّ مرتدًّا بذلك، ولكنه إذا انتهى به التأويل إلى مخالفة جماعة السلف الصالح من أهل الصدر الأول عُدَّ مبتدعًا، وإن كان موحِّدًا مقيمًا لأركان الإسلام.

  • ولم يُكفِّر أهل السنة من أنكر خبر المِعراج، ولا من قال: إنه كان بالروح فقط، بل قال بذلك بعض أهل السنة، ولا من قال إن الجنة والنار لم يُخلقا بعدُ وإنما يُخلقان يوم القيامة، ولا من قال: إن المؤمنين لا يرون ربهم في الجنة، فقد قال بذلك جمهور من الجهمية والمعتزلة ولم يكفرهم علماء السلف به، كما ترونه في أشهر كتب العقائد التي تُدرَّس في الأزهر وغيره من المدارس الإسلامية في جميع الأقطار.

  • وإذا كانوا لا يُكفِّرون من يُنكر أصل المعراج إلا إذا أنكر الإسراء المنصوص في القرآن، ولا يكفرون من ينكر رؤية الباري تعالى في الآخرة المصرَّح بها في الأحاديث المتفق عليها، فكيف يكفرون من ينكر رجوع الشمس للنبي صلى الله عليه وسلم بعد غروبها، والحديث فيه غير صحيح، أو ينكر مجيء بيت المقدس إلى الحجاز وكون المذنبين الذين رآهم النبي صلى الله عليه وسلم يعذَّبون كانوا موجودين بأجسادهم بين مكة وبيت المقدس، ولا نُصَّ على هذا في كتاب ولا سنة، وما عهدنا أحدًا من علماء المسلمين يجعله من عقائد الدين، وسترى معنى ذلك في المسائل الآتية[1].

اسئلة متعلقة

...