0 معجب 0 شخص غير معجب
144 مشاهدات
في تصنيف فتاوي بواسطة (177ألف نقاط)

أعرض على فضيلتكم مسألةً علميةً أرجو التكرم بإفادتي بالقول الفصل فيها، ولكم جزيل الثواب.

وهي مسألة المنزل من القرآن هو اللفظ والمعنى، أو المعنى فقط، وعبر باللفظ محمد عليه السلام، أو جبريل كما ذكره الباجوري على الجوهرة عند قول الناظم (ونزه القرآن، أي: كلامه إلخ) مع ترجيحه للقول الأول الذي هو اللفظ والمعنى معبرًا عنه بالراجح، مع أنهم ذكروا في الأصول من شروط الترجيح التساوي في القوة، فلا ترجيح بين القطعي والظني، بل يقدم القطعي اتفاقًا.

والمتبادر لي أن من المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن كلام الله حقيقةً، وأنه المعجز الأكبر المتحدي به حقيقةً، كما لا يخفى هذا، ونصوص القرآن والسنة الناطقة بنزول القرآن بلفظه ومعناه كثيرة جدًّا لا تخفى على فضيلتكم، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا﴾ [فصلت: 44] إلخ، وقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: 2] ومثلها كثير في القرآن، وقوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ [القيامة: 16] إلخ، وقوله: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: 5] إلخ وقوله: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ [الزمر: 23] وقوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ[٢٥] سَأُصْلِيهِ سَقَرَ[٢٦]﴾ [المدثر: 25 - 26] إلخ، وقوله: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ﴾ [مريم: 97] إلخ، وقوله: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: 106] وقوله: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 101] وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ[١٩٢] نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ[١٩٣] عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ[١٩٤] بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ[١٩٥]﴾ [الشعراء: 192 - 195] ثم قال بعدها: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ[١٩٨] فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ[١٩٩]﴾ [الشعراء: 198 - 199] إلخ، وقوله: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ[١٣] وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ[١٤]﴾ [الطارق: 13 - 14] وقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[٣] وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ[٤]﴾ [الزخرف: 3 - 4] وتتبع الآيات يطول ذكره، ولا يخفى على فضيلتكم.

ومن السنة حديث متواتر ألا وهو قوله عليه السلام: «أُنْزِلَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فهل يعد ذلك القول بالقول الثاني والثالث كفرًا، كما هو ظني، أم لا؟ وهل القول بهما الآن يعد كفرًا قطعًا، كما هو اعتقادي، أم لا؟[1]

1 إجابة واحدة

0 معجب 0 شخص غير معجب
بواسطة (177ألف نقاط)
 
أفضل إجابة

الحكم في القرآن كلام الله لا كلام جبريل ولا محمد عليهما السلام

  • إن الذي ندين الله تعالى به عن علم يقيني راسخ هو أن هذا القرآن العربي المكتوب في المصاحف، المقروء بالألسنة باللغة العربية هو كلام الله تعالى المعجز للبشر ولغير البشر من الخلق، وأنه ليس لجبريل روح القدس منه إلا تبليغه عن الله عز وجل لخاتم الرسل عليه الصلاة والسلام كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له منه إلا تبليغه عن الله تعالى لمن أرسل إليهم، فجبريل عليه السلام تلقاه من الله عز وجل بالصفة التي تليق به تعالى ولا يعلمها من خلقه إلا جبريل، ومحمد صلى الله عليه وسلم تلقاه من جبريل بالوحي الذي لا يعرف كنهه إلا الرسل الذين تلقوا مثله عن جبريل، والصحابة سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، كما سمعه منهم التابعون ومن تبعهم إلى عصرنا هذا، وكما يسمعه بعضنا من بعض بأصواتنا البشرية لا فرق بين قراءتنا له وقراءة من قبلنا إلا بما نعلمه من التفاوت في التجويد وحسن الأداء.

  • وإنه ليعسر تعريف الكلام بحد جامع مانع تعرف به حقيقته منه كما يعسر تحديد مثله من الحقائق المعلومة بالضرورة، ومما يحسن أن يقال في تعريفه في الجملة أنه صفة من صفات العالِم، وشأن من شؤونه يتمثل به علمه في نفسه، وفي الخارج، وما يتمثل به العلم في الخارج من الكلام يصل به إلى غير صاحبه فيعلم به من يصل إليه من علم ذي الكلام ما تمثل له بصوت وحرف، أو بكتابة ورسم، أو بغير ذلك، فالإنسان منا يتكلم في نفسه فيهيئ فيها ما يريد أن يقوله لزيد أو عمرو، وينظم الشعر، ثم ينطق به، أو يكتبه، ثم يقرأه، وربما كتب شيئًا، ولم يقرأه، وإذا نطق بالكلام المتمثل في نفسه رسم نطقه في الهواء بصورة أو صفة غير التي يرسم بها في الصحف، فمن سمعه أدرك بسمعه مما رسم في الهواء عين ما هو مرسوم في لوح نفسه بصورة أخرى، وكذلك من رآه في الصحيفة يدرك مما رسم فيها غيره ما قام بنفس المتكلم، وتمثل فيها من ذلك.

  • وقد اخترع البشر في العصر الأخير وسائل لأداء الكلام وتبليغه لم يكن يعرفها ولا يعقلها أهل العصور السابقة، كالتلغراف السلكي، والتلغراف الهوائي، أو اللاسلكي، وكل منهما مظهر من مظاهر الكلام النفسي ووسائل أدائه، ويسمى كلامًا حقيقيًّا لا مجازيًّا، وينسب كل كلام إلى من صدر عنه، وكان مجلى كلامه النفسي، فالجملة من كلام زيد من الناس يتناقلها الناس بألسنتهم وأقلامهم، وبآلات التلغراف والتلفون، وكل منهم يقول: إنها كلام زيد، فالكلام ما يتمثل به علم العالِم لنفسه أو لغيره، واختلاف صفة التمثيل للنفس ولغير النفس لا تمنع إطلاق اسم الكلام على كل منهما حقيقةً، فمن يرى في القرطاس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل، يقول: إن هذا كلام امرئ القيس، ومن يسمع ذلك من لسان أي إنسان يقول ذلك ولم يقل أحد من العرب في هذا القول الذي كتب وعلق على الكعبة ثم كتب في الصحف وقرأه الناس: إن لفظه المرسوم في الصحيفة هو كلام الراسم، وإن الذي أنشد على الناس منه هو كلام المنشد، وإن معناه لامرئ القيس فقط، أو إن ما تمثل من هذا النظم في نفس امرئ القيس هو شعره، وما نقرأه في الكتب أو من حفظنا لمعلقته هو كلامنا، ولا إن هذا كلامه مجازًا، وذلك كلامه حقيقةً، بل أجمعوا على أن هذه القصيدة كلامه، وأنه ليس لرواتها بالقول والكتابة حظ منها إلا النقل لكلام غيرهم.

  • وإذا قدر البشر على تمثيل كلامهم النفسي بعدة مظاهر لا يختلف مدلولها عن مدلول ما في أنفسهم، فالله تعالى أقدر منهم على إبلاغ كلامه النفسي لرسله من الملائكة والناس بما يليق باستعداد كل منهم، فلا غرو من أن يكون لوحيه للملائكة صفة غير صفة وحيه للرسل من البشر فيما يكلمهم به بغير واسطة المَلَك، وأن يكون لما يسمعه النبي من الملك صفة غير صفة ما يسمعه الملك من الرب سبحانه وتعالى ولكن الكلام واحد في جميع مظاهره لا يختلف باختلاف طرق أدائه وتبليغه، كما نعرفه في الكلام المسموع بالآذان، والمقروء في الصحف، والمأخوذ من آلة التلغراف السلكي أو الهوائي، ومثله المرسوم في الهواء، أو ما تكيف به الهواء، وبهذا المثال يظهر للمتأمل أن تجلي كلام الله تعالى في الألسنة والصحف والهواء وآلات التلغراف، وفي اللوح المحفوظ، وفي أنفس الملائكة والبشر، لا يخرجه عن كونه كلامه تعالى ولا يقتضي أن تكون صفة الكلام النفسية له تبارك وتعالى، مشابهةً لصفة الكلام في أنفس البشر، أو غيرهم من خلقه تعالى ولا أن يكون تكليمه للملائكة ولموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، كتكليم بعضنا لبعض، ولكن مؤداه واحد، فالذي نقرأه أو نكتبه في المصاحف هو عين ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فتلقاه عنه بهذه اللغة العربية وهذا الأسلوب المعجز الذي يعجز عليه الصلاة والسلام كغيره من البشر عن مثله بمقتضى ملكته العربية، ولذلك نرى أسلوبه غير أسلوب الحديث، ونظمه غير نظمه، بل يكثر في الحديث من الألفاظ المترادفة، والصيغ المفردة غير ما في القرآن كلفظ (عرفة) وهو لم يذكر في القرآن إلا بلفظ (عرفات) ولفظ الصوم، وإنما ذكر في القرآن لفظ (الصيام).

  • ولو كان ما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من كلام الله تعالى هو معاني القرآن دون عبارته لكان القرآن كلامه صلى الله عليه وسلم لا كلام الله تعالى، لأن الكلام هو العبارة التي تتجلى فيها المعاني من علم المتكلم، ومن أخذ عن غيره علمًا من العلوم ففهم منه القواعد والمسائل، ثم كتب في ذلك كتابًا، فإن ما في الكتاب من الكلام ينسب إلى كاتبه، لا إلى أستاذه الذي تلقى عنه تلك المعاني التي دونها في كتابه، والقرآن كلام الله تعالى نسب إليه في آيات كثيرة، كقوله: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: 6] وفي أحاديث متعددة، وأجمع على ذلك المسلمون، وإنما اختلف المتكلمون منهم في نظريات فلسفية في تعريف الكلام النفسي واللفظي، وفي كونه من الصفات التي تقوم بذات الله تعالى أو التي لا تقوم بها.

  • تولَّدَ منها شبهات يصادم بعضها بعضًا، وكل ما خالف منها ما فهمه جمهور السلف الصالح من نصوص الكتاب والسنة فهو مردود على أهله بالنقل القطعي الذي لا مصادم له من البرهان العقلي.

  • وأول من أحدث هذه النظريات في الإسلام الجعد بن درهم وجهم بن صفوان، ونصرت المعتزلة نظريات جهم، وانخدع ببعضها كثير من أهل السنة، وكان الإمام أبو الحسن الأشعري من نظار المعتزلة، ثم رجع إلى مذهب أهل السنة، ولكنه لم يترك نظرياتهم المخالفة للسلف كلها دفعةً واحدةً، ومذهبه في مسألة الكلام الإلهي لم يكن عين مذهب السلف ولا غيره من مذهب المعتزلة والجهمية وقد تبعه فيها كثير من كبار النظار، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، وأشهر المصنفين في الكلام من أتباعه، وله عبارة في ذلك اتخذوها أصلًا وفرعوا عليها؛ لذلك صار ينقلها علماء العقائد والمفسرون وشراح الأحاديث في كتبهم، ولا شك في كون بعض تلك البدع تعد خروجًا من الملة، وكون بعضها يستلزم ذلك، ولكن التحقيق عند علماء الأصول والكلام أن لازم المذهب ليس بمذهب، وأن أكثر أصحاب تلك النظريات المخالفة لظواهر نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، لم يقولوا بها إلا عن شبهات عرضت لهم أو لغيرهم من المنكرين للإسلام فأرادوا أن يقيموا حجة الإسلام بما قالوه بحسب اجتهادهم، مع إذعانهم لأحكامه وعملهم به، فكيف يقدم أحد على تكفيرهم مع ذلك.

اسئلة متعلقة